دير الزور، التي يطلق عليها أهلها «ديرة»، مدينة تتربع على ضفاف الفرات في شرق سوريا، وتُعرف بأنها جسر بين الصحراء والأنهار، ومركز زراعي وتجاري وثقافي مهم عبر القرون. تُلقب بـ«لؤلؤة الفرات» بفضل جمال طبيعتها الخلابة، وخصوبة أراضيها، وحيوية أهلها.
نبذة تاريخية
تشهد الآثار المنتشرة حول المدينة أن المنطقة كانت مأهولة منذ العصر الآشوري والبابلي. في الحقبة الرومانية، ازدهرت كمركز على طريق التجارة مع بلاد ما بين النهرين. مع الفتح الإسلامي، أصبحت دير الزور محطة مهمة على درب الحجاج إلى مكة. في العصر الأموي والعباسي، لعبت دورًا في ربط دمشق بالبصرة. خلال العهد العثماني، اكتسبت المدينة طابعًا إداريًا حديثًا وأصبحت مقرًا لمحافظة الفرات.
من المحطات الأليمة في تاريخها استقبالها عشرات الآلاف من الأرمن المهجرين خلال الإبادة الجماعية عام 1915، حيث أنشئت لهم مخيمات على أطراف المدينة، ما خلّد ذكراهم في كنيسة النصب التذكاري التي يقصدها الزوار حتى اليوم.
الحرب وما بعدها
شهدت دير الزور واحدة من أطول وأقسى الحصارات في الحرب السورية، بعد أن سيطر تنظيم داعش على معظم المدينة عام 2014. صمدت قوات الجيش السوري في حي الجورة والقصور حتى فك الحصار في 2017. لكن دمارًا واسعًا طال معظم أحياء المدينة، وأدى إلى نزوح آلاف العائلات.
الوضع الحالي (يوليو 2025)
بحلول 2025، بدأت دير الزور تستعيد عافيتها تدريجيًا. أعيد ترميم الجسر المعلق جزئيًا، واستؤنفت عمليات استخراج النفط من حقول العمر والكونيكو والورد، ما أنعش سوق العمل وأعاد بعض الموارد إلى الخزينة. أعيد افتتاح المدارس تدريجيًا، والمستشفيات عادت لتقديم خدماتها رغم النقص. عاد الكثير من الأهالي إلى منازلهم، مع استمرار وجود احتياجات إنسانية ملحة، خصوصًا في الأحياء الشرقية.
الاقتصاد والصناعة
تعتمد المدينة على الزراعة (قمح، قطن، شعير، خضروات)، وتربية المواشي، وصناعة الصابون والجلود، إضافة إلى النفط والغاز. الأسواق عادت إلى النشاط تدريجيًا، خصوصًا في سوق الحميدية والسوق الكبير.
المجتمع والثقافة
تشتهر دير الزور بطابعها القبلي، وبروح التعاون والكرم التي تظهر في المناسبات الاجتماعية والدينية. تعود أمسيات «العتابا» و«الميجانا» إلى المقاهي والبيوت، في مشهد يعكس عشق أهلها للفن الشعبي والشعر النبطي. يقام سنويًا «مهرجان الفرات» الذي يحتفي بالتراث الشعبي والمأكولات الفراتية.
أهم المعالم
- جسر الفرات المعلق: تحفة هندسية من فترة الانتداب الفرنسي، يربط ضفتي الفرات وأعيد تأهيله جزئيًا.
- كنيسة الشهداء الأرمن: نصب مؤثر يخلد ذكرى الأرمن الذين قضوا في الإبادة.
- الحديقة العامة: متنفس للأهالي وسط المدينة.
- الأسواق الشعبية: أسواق الحميدية والهاشمية تشهد عودة تدريجية للحياة.
- المتحف الوطني: يضم قطعًا أثرية من الحضارات التي ازدهرت على الفرات.
أشهر الشخصيات
من أبناء دير الزور شخصيات بارزة في الأدب والسياسة والفن، منهم الشاعر محمد الفراتي، المعروف بلقب «شاعر الفرات»، والسياسي عبد الرحمن الكيالي.
نظرة مستقبلية
يحلم أهل دير الزور بمستقبل ينعم بالسلام والاستقرار، يعيد للمدينة مكانتها الاقتصادية والثقافية. هناك خطط لتوسيع مشاريع الطاقة، وتطوير الزراعة الحديثة، وتحويل المدينة إلى مركز لوجستي رئيسي في شرق سوريا.
دير الزور اليوم، رغم الجراح، تثبت أنها لؤلؤة الفرات بحق — مدينة تتحدى الصعاب وتعيد كتابة قصتها بإرادة أهلها وصمودهم.
سوريا